الاثنين، 5 مارس 2012

توقع الأفضل


     وهو حسن الظن بالله تعالى وهو قمة التفاؤل وفي الحديث القدسي يقول النبي صلى الله عليه و سلم فيما يرويه عن ربه: ((أنا عند ظن عبدي فليظن بي ما شاء)) (صحيح الجامع (4316).
     وتأمل معي حسن الظن بالله تعالى وتوقع الأفضل الذي يقود للنجاة في قصة موسى عليه السلام :
     عندما فرّ موسى والمؤمنون معه بدينهم من وجه الطاغية ، ويصر فرعون وجنده على اللحاق بهم، بل ويرسل فرعون في المدائن حاشرين، ويقول عن المؤمنين: {إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ (54) وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ (55) وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ}(سورة الشعراء:54-56)
     و يبلغُ الكَرْبُ بالمؤمنين نهايته، والبحرُ أمامهم والعدوُ خلفهم، وهم لا يَدرون ماذا في غيبِ الله وعلمهِ {فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}(سورة الشعراء:61)
أَيْ : سيدركنا العدو ، الآن يَلْحَقنَا فِرْعَوْن وَجُنُوده فَيَقْتُلُونَنَا ، وَذُكِرَ أَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِــكَ لِمُوسَـــى ، تَشَاؤُمًـــا بِــمُــــوسَـــى {قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}(سورة الشعراء:62)
 قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ : لَيْسَ الأَمْر كَمَا ذَكَرْتُمْ ، كَلا لَنْ تُدْرَكُوا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِيني ، يَقُول : سَيَهْدِيني إلى طريق أَنْجُو فِيهِ مِنْ فِرْعَوْن وَقَوْمه ، { فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ (63) وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ (64) وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ (65) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ (66) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ (67) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ }(سورة الشعراء:63-68).
     فكانت النتيجة لتوقع موسى عليه السلام وحسن ظنه بربه بأن أنجاه الله من فرعون وجنوده وأهلك فرعون وجنوده ليكون في ذلك أية لنا وعبرةً .
     عندما نبدأ مشروعاً فإن طريقة تفكيرنا فيما نعتقده مهمة جداً :
o   الاعتقاد الإيجابي : وهو التوقع بأننا سوف ننجح وسنزيد من الفرص التي تعيننا على التوصل إلى الطرق التي تضمن لنا النجاح .
       أو :
o   الاعتقاد السلبي: وهو التوقع  بأننا قد نفشل ، مما يعمل على إضفاء مزيد من الصعوبة على بنائنا لتحفيزنا نحو النجاح.
     وما نترقب حدوثه سيتحول ، وبتغييرنا ما نعتقده عن أنفسنا سيتغير العالم من حولنا؛ فلا نقرأ الأحداث والأشخاص والمجتمعات قراءةً سلبية قاتمة وإنما نقرؤها قراءة إيجابية معتدلة تُعنى بالجانب الإيجابي وإبرازه والنظر إليه والحفاوة به بقدر ما نُعنى برؤية الجانب السلبي برحمة وإشفاق وسعي وتصحيح.
     ما نتوقع أن يحدث يصبح سبباً للاتجاه نحو ما توقعناه، وهذا ما يسميه بعض: قانون التوقع، أي إذا توقعت مثلاً أن أكون ناجحاً توقعاً قوياً فإن هذا يصنع النجاح؛ لأن فكرة النجاح تتمكن أكثر وتُوجه سلوكيّاً نحو تحقيقها، والذين يتوقعون الشيء السيئ يتصرفون بما يناسب توقعهم.
     قال المدير – في إحدى المدارس –  لثلاثة من المدرسين: بما أنكم أفضل ثلاثة مدرسين فقد اقترحنا لكل منكم ثلاثين طالباً هم أحسن طلاب المدرسة ذكاءً لتدرسوهم في صفوف خاصة؛ ولكـن لا تخبروهم بذلك، ونحن نتوقع لهم نتائج جيدة، وفعلاً كانت النتائج رائعة، وقال المدرسون: إنهم وجدوا الطلاب يتجاوبون ويفهمون بشكل لم يعتادوا عليه، ثم جرى إخبار المدرسين أن الموضوع لم يكن إلا تجربة، وأن الطلاب هم طلاب عاديون أيضاً اختيرت أسماؤهم بالقرعة !!
     وقد وجد علماء السلوك أن الخرائط الذهنية للأشخاص تلعب دوراً رئيساً مهماً في الإدراك الإنساني من خلال نظرياتهم وتوقعاتهم وميولهم . وتم إثبات ذلك من خلال ما سمي بظاهرة البلاسيبو " العلاج بالإيحاء " .
    قل لمجموعة من المرضى : إنه تم إعطاؤهم دواء مسكناً للألم . وستجد أن شعورهم بالألم قد يخف تدريجياً ، مع أنهم تناولوا مادة لا تضر ولا تنفع.
    ففي دراسة أجراها " روبرت كوجهيل "  وآخرون عام 2005م وجد أن " التوقع بانخفاض الألم يخفض الألم فعلياً بنسبة (28.4%)متفوقاً بذلك على علاج المورفين " .
    وأوضح " دونالد برايس " من جامعة فلوريدا (أن التوقع الذهني لانخفاض الألم يخفض إدراك الألم نفسه ).
     لنحافظ على صورنا الذهنية ونحن مسئولين عن الصورة الذهنية التي يرسمها الآخرون لنا ، علينا ألا نسمح بتسلل أية رتوش سلبية إلى الانطباعات التي نتركها عن صورنا أو سمعتنا .
    والجانب المعنوي من هذا هو أن ما نترقب حدوثه سوف يتحول إلى واقع ملموس .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق