فالدعاء تفاءل؛ فإن العبد يدعو ربه فيكمل بذلك الأسباب المادية المتاحة له ، وقد قال النبي صلى الله عليه و سلم : (( اللهم أني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضَلَع الدّين وغلبة الرجال))( أخرجه البخاري (3/224).
وإني لأدعو اللّهَ حتى كأنَّما
أرى بجميلِ الظنّ ما اللَهُ صانِعُ
والمتفائل يكثر من الدعاء ، حتى لو لم ير أثراً للإجابة ، ولا يستعجل النتائج فيعقوب عليه السلام بقي في البلاء مدة طويلة ورجاؤه لا يتغير ، فلما ضم إلى فقد يوسف فقد بنيامين لم يتغير أمله وقال : {عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ}(سورة يوسف:83).
روى ابن أبي الدنيا بإسناده عن أبي سعيد البقال قال : كنت محبوسا في ديماس الحجاج، ومعنا إبراهيم التيمي، فبات في السجن فقلت: يا أبا أسماء، في أي شيء حبست؟ قال : جاء العريف فتبرأ مني وقال : إن هذا يكثر الصلاة والصوم ، فأخاف أن يكون يرى رأي الخوارج !!.
قال: والله إنا لنتحدث عند مغيب الشمس ومعنا إبراهيم التيمي ، إذا نحن برجل قد دخل علينا السجن فقلنا: يا عبد الله ، ما قصتك؟ وما أمرك؟ قال : لا و الله ما أدري ، ولكني أظن أخذت في رأي الخوارج ، فو الله إنه لرأي ما رايته ولا هويته ، ولا حببت أهله ، يا هؤلاء، ادعوا إليّ بوضوء قال: فدعونا له بماء فتوضأ، ثم قام فصلى أربع ركعات فقال :
((اللهم إنك تعلم أني على إساءتي وظلمي وإسرافي ، لم أجعل لك ولدا ، ولا ندا ، ولا صاحبة ولا كفوا ، فإن تعذب فإني عبدك ، وأن تغفر فإنك أنت العزيز الحكيم ، اللهم إني أسألك يا من لا يغلطه المسائل ، ويا من لا يشغله سمع عن سمع ، ويا من لا يبرمه إلحاح الملحين ، أن تجعل لي في ساعتي هذه فرجا ومخرجا من حيث احتسب ومن حيث لا أحتسب ، ومن حيث أعلم ومن حيث لا أعلم ، ومن حيث أرجو ومن حيث لا أرجو ، وخذ لي بقلب عبدك الحجاج ، وسمعه وبصره ولسانه ويده ورجله حتى تخرجني في ساعتي هذه فإن قلبه وناصيته في يدك ، أي رب ! أي رب ! أي رب !))
قال: فأكثر ، فو الله الذي لا اله غيره ، ما قطع دعائه إذ ضرب باب السجن، أين فلان؟ فقام صاحبنا فقال: يا هؤلاء، إن يكن العافية فو الله لا ادع الدعاء (أي إذا اخلوا سبيله)، وإن يكن الأخرى (أي إذا أعدموه) فجمع الله بيني وبينكم في رحمته ، فبلغنا من غد أنه خلي عنه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق