الاثنين، 5 مارس 2012

الصبر و المصابرة والمثابرة والتجدد و الحماسة ..


     علينا ألاّ نلقي الراية، ولا نستسلم للقعود واليأس أبداً، ولنعلم أن كثيرين ممن أعلنوا إفلاسهم وإخفاقهم كانوا على مقربة من النجاح، والشخص المكتئب لا يصنع لنفسه ولا للآخرين شيئاً.
     الذين يمارسون أعمالهم بحماس وصبر وإصرار فإننا نشعر أنهم يضعون الأسس والقواعد لنجاح كبير مُدوٍّ في المستقبل؛ شريطة أن توجد عندهم الحماس، ثم الحماس، ثم الحماس.
    وقد جاء في الحديث عن أبي العباس – عبد الله بن عباس رضي الله عنهما – قال: ((كنت خلف النبي صلى الله عليه و سلم يوماً، فقال لي: يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً)). قال ابن رجب رحمه الله في هذا الحديث: في قوله صلى الله عليه و سلم : ((وأن الفرج مع الكرب)) يدل على أن العبد متعبد بالصبر في انتظار الفرج من عند الله عز وجل.
     إذا تضايق أمرٌ فانتظرْ فرجاً         
                                             فأقرب الأمر أدناهُ إلى الفـــرجِ
ويذكر القرآن لنا قصة يعقوب عليه السلام في معاناته في فقد ابنيه وصبره على ذلك : {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا}(سورة يوسف:83).
    ولنتامل قصة سجين بطن الحوت ، ففي أرض الموصل بالعراق ، كانت هناك بلدة تسمى "نينوى" انحرف أهلها عن منهج الله، وصاروا يعبدون الأصنام ، فأراد الله هدايتهم فأرسل إليهم نبيه يونس عليه السلام ليدعوهم إلى الإيمان ، وترك عبادة الأصنام ، ولكنهم رفضوا الإيمان بالله ، وتمسكوا بعبادة الأصنام ، واستمروا على كفرهم وضلالهم دون أن يؤمن منهم احد ، بل إنهم كذّبوا يونس وتمردوا عليه ، واستهزؤوا به ، وسخروا منه .
     فغضب يونس من قومه ، ويئس من استجابتهم له ، فأوحى الله إليه أن يخبر قومه بأن الله سوف يعذبهم بسبب كفرهم .
     فامتثل يونس لأمر ربه ، وبلَّغ قومه ، ووعدهم بنزول العذاب والعقاب من الله تعالى ، ثم خرج من بينهم ، غاضباً بدون إذن ربه {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}(سورة الانبياء: 87).
     وبعد خروج يونس من قريته وهو غضبان على قومه ذهب إلى شاطئ البحر ، وركب سفينة ، وفي وسط البحر هاجت الأمواج واشتدت الرياح ، فمالت السفينة وكادت تغرق .
     وكانت السفينة محملة بالبضائع الثقيلة ، فألقى الناس بعضاً منها في البحر ، لتخفيف الحمولة ، ورغم ذلك لم تهدأ السفينة ، بل ظلت مضطربة تتمايل بهم يميناً ويساراً فتشاوروا فيما بينهم على تخفيف الحمولة البشرية ، فاتفقوا على عمل قرعة ، ومن تقع القرعة عليه ؛ يرمي نفسه في البحر ، فوقعت القرعة على نبي الله يونس ، لكن القوم رفضوا أن يرمي يونس نفسه في البحر ، وأعيدت القرعة مرة أخرى ، فوقعت على يونس ، فأعادوها مرة ثالثة فوقعت القرعة عليه أيضاً ، فقام يونس عليه السلام وألقى نفسه في البحر ، وكان في انتظاره حوت كبير أرسله الله له ، وأوحى إليه أن يبتلع يونس دون أن يخدش له لحماً أو يكسر له عظماً؛ ففعل ،قال تعالى { وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ}(سورة الصافات:139-142).
لقد أصبح في موقف يأس ، وفي وقت رُعب ، وفي وحشة لا يعلمها إلا الله ، وظل يونس في بطن الحوت يسبح الله – عز وجل – ويدعوه أن ينجيــه من هذا الـكـــرب ، قال تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ}(سورة الانبياء:87-88).
     وأمر الله الحوت أن يقذفه على الساحل ، ثم أَنْبَتَ عليه شجرة ذات أوراق عريضة تظلله وتستره وتقيه حرارة الشمس،قال تعالى: { فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ  (145) وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ}(سورة الصافات:145-146).   
 وأمر الله يونس أن يذهب إلى قومه ، ليخبرهم بأن الله تاب عليهم ، ورضي عنهم ، فامتثل يونس لأمر ربه ، وذهب إلى قومه وأخبرهم بما أوحى إليه ، فآمنوا به فبارك الله لهم في أموالهم وأولادهم .قال تعالى:{ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}(سورة الصافات:147-148).
     وقد أخبر النبي صلى الله عليه و سلم أن الذي تصيبه مصيبة أو شر ثم يدعو بدعاء يونس عليه السلام يفرج الله عنه ، فقال صلى الله عليه و سلم : (( دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت : لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له )) (أخرجه الترمذي).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق