الاثنين، 5 مارس 2012

لنحاول أن نذلل العثرات والمعوقات التي تواجهنا وتعرقل مسيرتنا


     وكل شيء بقضاء وقدر { مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}(سورة الحديد: 22).
    فإن  الإنجازات تقاس بالعثرات التي تجتازها حتى تصل إلى أهدافك.
    ولا ينبغي للواحد منا أن يفكر في أكثر من مشكلة في آن واحد ؛ لأن ذلك سوف يجعله يشعر بالوهن والهزيمة ، كما ينبغي علينا ونحن نبحث عن حل لمشكلاتنا أن نكون على وعي بأ لا نعرضها عن المتشائمين والمثبطين الذين لا هم لهم سوى بث اليأس ودلالة الناس على الطرق المسدودة . إن الله جل وعلا ما أنزل داء إلا أنزل له دواء، ولنجعل من المشكلات والأزمات نقاط انطلاق جديدة  .
     فَتَبَنِّيْ عقلية التركيز على الحلول بدلاً من الانشغال بالمشكلات أمر مهم جداً ، فالمشكلات من وجهة النظر المتفائلة هي علامات صحية  تلفت أنظارنا إلى أن شيئاً لا يسير على ما يرام ، ولولاها لاستمرت الأشياء دون أن تتاح لك الفرصة لتصحيحها.
     ومن تلك العثرات والمعوقات التي تواجهنا في طريق الدعوة والإصلاح الفتن والمحن والابتلاءات ، والتي ينبغي علينا أن نُعد أنفسنا مبكراً لتلقيها بنفس راضية ثابتة مطمئنة ، ولنعلم أنه لا بد من الابتلاء في أنفسنا ، أو في الأهل ، أو في المال ، قال الله تعالى : { أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}(سورة العنكبوت:2-3).
    (إن الذين يتصدون للدعوة ، ويسيرون في طريق الإصلاح والتغيير والهداية لا بد أن يتعرّضوا للمحنة ، ولا بد أن يواجهوا بأس الحياة وضرّاءها ، ويخطئ من يظن أن طريق الدعوة دائماً محفوف بالورود والرياحين ، ومفروش بالزينات والسجاجيد، ومغتصٌّ بالمودعين والمستقبلين ، بل على الداعية أن يعلم أن الطريق قد تكون مفروشة بالصخور الكبيرة العاتية ، والأشواك اليابسة المؤذية ، والأشقياء العتاة المجرمين ، فإن لم يكن معتاداً على الثبات والاحتمال ، متروضاً على الصبر والمصابرة فإنه يهزم في أول لحظات المحنة ، ويتقهقر في أول لمحات البلاء ، ويقعد مع القاعدين اليائسين ).
     قال ابن القيم رحمه الله تعالى في الفوائد : ( الطريق طويل، تعب فيه آدم، وناح فيه نوح، وتعرض للحرق إبراهيم، وتعرض للذبح إسماعيل، وذبح السيد الحصور يحيى، ونشر بالمنشار زكريا، وتعرض للصلب المسيح عيسى، ولاقى ما لاقى فيه محمد صلى الله عليه و سلم ).
     (هذه هي سنة الله القديمة في تمحيص المؤمنين وإعدادهم ليدخلوا الجنة وليكونوا لها أهلا أن يدافع أصحاب العقيدة عن عقيدتهم ; وأن يلقوا في سبيلها العنت والألم والشدة والضر ; وأن يتراوحوا بين النصر والهزيمة ; حتى إذا ثبتوا على عقيدتهم لم تزعزعهم شدة ولم ترهبهم قوة ولم يهنوا تحت مطارق المحنة والفتنة استحقوا نصر الله لأنهم يومئذ أمناء على دين الله مأمونون على ما ائتمنوا عليه صالحون لصيانته والذود عنه واستحقوا الجنة لأن أرواحهم قد تحررت من الخوف وتحررت من الذل وتحررت من الحرص على الحياة أو على الدعة والرخاء فهي عندئذ أقرب ما تكون إلى عالم الجنة وارفع ما تكون عن عالم الطين أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب).
     والابتلاء في تاريخ الرسالات أمر بين وواضح :
     إبراهيم – عليه السلام – يلقى في النار ويتفاءل بإنقاذ الله له منها { قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} (سورة الأنبياء:69).
    لوط – عليه السلام – يتفاءل بإنقاذ الله له من قومه { وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}(سورة الأعراف: 82).
    موسى – عليه السلام – يتفاءل بأن الله تعالى سينجيه من القتل عندما ائتمر  به الملأ{وَجَاءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ}(سورة القصص:20).
    شعيب – عليه السلام – وقومه{ قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ}(سورة هود: 91)  .
    أيوب – عليه السلام – والتفاؤل بالشفا بعد المرض { وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ } (سورة الأنبياء:83-84).
     ومن أعظم مواقف الابتلاء ما حدث للنبي محمد  صلى الله عليه و سلم  وأصحابه رضوان الله عليهم في بداية الدعوة من أذى ، وما حدث لهم في الجهاد وخاصة في غزوة أحد من بلاء . إذ كان الدرس فيها مكلفاً . وكلما كان الدرس مكلفاً متعباً وشاقاً ومؤلماً كانت الاستفادة منه أكمل وأعظم ، وتذكره أحضر وأقرب إلى الاهتداء به وأخذ العبرة منه  .
     عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم كُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَشُجَّ فِي رَأْسِهِ ، فَجَعَلَ يَسْلُتُ الدَّمَ عَنْهُ وَيَقُولُ : كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ وَكَسَرُوا رَبَاعِيَتَهُ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ . فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}(اخرجه مسلم (1791)و الآية من سورة آل عمران:128) .
    وعَنْ سَهْلٍ بن سعد رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا كُسِرَتْ بَيْضَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه و سلم عَلَى رَأْسِهِ وَأُدْمِيَ وَجْهُهُ ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ ، وَكَانَ عَلِيٌّ يَخْتَلِفُ بِالْمَاءِ فِي الْمِجَنِّ وَكَانَتْ فَاطِمَةُ تَغْسِلُهُ ، فَلَمَّا رَأَتِ الدَّمَ يَزِيدُ عَلَى الْمَاءِ كَثْرَةً عَمَدَتْ إِلَى حَصِيرٍ فَأَحْرَقَتْهَا وَأَلْصَقَتْهَا عَلَى جُرْحِهِ فَرَقَأَ الدَّمُ(أخرجه البخاري(3/1063).    
     قال ابن حجر : (ومجموع ما ذكر في الأخبار أنه صلى الله عليه وسلم شُجَّ وجهه ، وكسرت رباعيته ، وجرحت وجنته وشفته السفلى من باطنها ، ووهى منكبه من ضربة ابن قمئة ، وجحشت ركبتيه)( فتح الباري( 7/372).
     ومجمل الموقف من الذي يقفه أعداء الله من الدعوات وأصحابها يرد في قوله تعالى { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (14) وَاسْتَفْتَحُواْ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ}(سورة ابراهيم:13-15).
 يقول سيد – رحمه الله – : ( ولا بد من تربية النفوس بالبلاء ، ومن امتحان التصميم على معركة الحق بالمخاوف والشدائد ، وبالجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات ، قال تعالى { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}(سورة البقرة:155).
    لا بد من هذا البلاء ليؤدي المؤمنون تكاليف العقيدة كي تعز على نفوسهم بمقدار ما أدوا في سبيلها من تكاليف، والعقائد الرخيصة التي لا يؤدي أصحابها تكاليفها لا يعز عليهم التخلي عنها عند الصدمة الأولى ، فالتكاليف  هنا – هي الثمن النفسي الذي تعز به العقيدة في نفوس أهلها قبل أن تعز في نفوس الآخرين ، وكلما تألموا في سبيلها ، وكلما بذلوا من أجلها كانت أعز عليهم، وكانوا أضن بها ..
     ولا بد من البلاء كذلك ليشتدَّ عود أصحاب العقيدة ويقوى ، الشدائد تستجيش مكنون القوى ومذخور الطاقة، وتفتح في القلب منافذ ومسارب ما كان ليعلمها المؤمن في نفسه إلا تحت مطارق الشدائد ، والقيم والموازين والتصورات . ما كانت لتصح وتدق وتستقيم إلا في جو المحنة التي تزيل الغبش عن العيون والران عن القلوب ، وأهم من هذا كله ،  أو القاعدة لهذا كله الالتجاء إلى الله وحده حين تهتز الأسناد كلها ، وتتوارى الأوهام ، وهي شتى ، ويخلو القلب إلى الله وحده لا يجد سنداً إلا سنده ، وفي هذه اللحظة قد تنجلي الغشاوات ، وتنفتح البصيرة ، وينجلي الأفق على مد البصر : لاشيء إلا الله ، لا قوة إلا قوته و لا حول إلا حوله ، ولا إرادة إلا إرادته ، ولا ملجأ إلا إليه .. لذلك فإن الله قد وضع الابتلاء لينكشف المجاهدون ويتميزوا ، وتصبح أخبارهم معروفة ، ولا يقع الالتباس في الصفوف ، ولا يبقى مجال لخفاء أمر المنافقين ، ولا أمر الضعاف الجزعين ).
    ( أما أصحاب اليقين وأولو العزم فهم يلقون الحياة بما في أنفسهم من رحابة قبل أن تلقاهم بما فيها من عنت.
وكما يفرز الجسم عُصارة معينة لمقاومة الجراثيم الهاجمة يفرز هؤلاء معاني خاصة تمتزج بأحوال الحياة وأغياره فتعطيها موضوعاً وعنواناً جديدين .
     واسمع إلى ابن تيمية وهو يقول – مستهيناً بتنكيل  خصومه–  إنَّ سجني خَلوة ، ونفيي سِياحة وقتلي شهادة ..!!
أليست هذه الفواجع أقصى ما يصنعه الطغاة ؟.
      إنها عند الرجل الكبير قد تحوَّلت إلى نعم يستقبلها بابتسام لا باكتئاب ).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق