الاثنين، 5 مارس 2012

لا تذرف الدموع على ما مضى


     لا تَبْكِ على اللبن المسكوب .. بل ابذل جهدا إضافيا حتى تعوض اللبن الذي ضاع منك . فالمتفائل لايندب حظه ، ولا يقف على الأطلال باكياً وشاكياً ، ولا يعترف بقول : " لو أن ، ولولا أن " ، ولا يندب حظه عندما يخسر ، بل إنه يركز على الحلول ، لا على المشاكل .وقد ذكر الله تعالى الأمم في كتابه وما فعلت ثم قال : {  تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ}(سورة البقرة:134) انتهى الأمر وقضي ، وبقي أن نستفيد من دروسهم .
     وتذكر قول رسول الله صلى الله عليه و سلم : ((وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان))( رواه مسلم) ، واعتبر كل فشل يصادفك إحدى تجارِب الحياة التي تسبق كل نجاح وانتصار .. فالليل مهما طال فلا بد من بزوغ الفجر . قال أحدهم : "النجاح سلالم لا تستطيع أن ترتقيها ويداك في جيبك!!" .
    
        ألم تر أن الليل بعد ظلامه   
    عليه لإسفار الصباح دليلُ
     ولننظر للفشل على أنه خبرة نستعين بها لإنجاز أهدافنا لا أن تكون دليلاً قاطعاً لا يقبل النقاش على أننا فاشلون ؛ لأن الفشل يتسبب في انكفاء الناس على أنفسهم، فيتجنب بعضهم بعضا ، فيبدؤون في إخفاق المعلومات ويتنصلون من المسؤولية.
     نعم كل الناس يفشلون في شيء ما أو في مرحلة من مراحل حياتهم ، وهذا أمر لا يمكن تفاديه ، ولكن يمكننا أن نتعلم منه ونتعامل معه ، فقد يكون الفشل خطوة على طريق النجاح لم نَخْطُها بعد .
     وفي كل الأحوال ، يجب أن نتحمل مسؤولية ما حدث . هذا لا يعني أن نَصُبَّ غضبنا على أنفسنا ، وأن نعيش محملين بعقدة الذنب ؛ ولكن علينا أن نعيد تقييم الأمور من وجهة نظر جديدة .
     وخذ مثالاً على ذلك الأحداث التي مرت على المسلمين بعد هزيمة غزوة أحد ، فالتحسرات المفجوعة سيطرت على ضعفاء الإيمان بعد غزوة أحد ، فإن الخسائر التي أصابت أهل المدينة بعد هجوم المشركين عليها خلّفت آثاراً غائرة ، وفتحت أمام الحاقدين على الإسلام ثغرات للتشفي واللمز، لكن الله عز وجل أنزل آياتٍ مفصَّلة في مداواة هذا الجرح ولَمِّ شمل المسلمين عقب النكبة التي أصابتهم ، فكان من تأديبه لهم أن علق عيونهم بالمستقبل ، وصرف أذهانهم عن الماضي ، وزجرهم عن الوقوف بأطلال الأمس يبكون ويولولون .
    لا ليست هذه شيمة الرجولة ولا منطق الإيمان يجب أن نعرف سر الخطأ لنتقيه في المستقبل ولا ننظر فيما وقع إلا بمقدار ما نستخلص العبرة منه وذاك ما تكفل به القرآن الكريم فقد أشار إلى علة الهزيمة في إيجاز { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ}(سورة آل عمران: 152) ، { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ}(سورة آل عمران: 155). ثم واساهم بما يهون وقع الألم عليهم فإن الألم إذا قيد النفوس بسلاسله الغلاظ ربطها في زمن يتحرك فلم نحسن شيئا ولم نكسب خيراً .
     ما قيمة لطم الخدود وشق الجيوب على حظ فات ؟! .
     ما قيمة أن ينجذب المرء بأفكاره ومشاعره إلى حدث طواه الزمن ليزيد ألمه حرقةً وقلبه لذعاً ؟! .
     لو أن أيدينا يمكن أن تمتد إلى الماضي لتمسك حوادثه المدبرة فتغير منها ما تكره وتحورها على ما تحب لكانت العودة إلى الماضي واجبة ولهرعنا جميعاً إليه نمحو ما ندمنا على فعله ونضاعف ما قَلَّتْ أَنْصِبَتُنا منه ، أما وذلك مستحيل فخير لنا أن نكرس الجهود لما نستأنف من أيام وليالٍ ففيها وحدها العوض .
     إن المرء ليس متهماً في حرصه على مصلحته فإذا ضاعت هذه المصلحة لسبب ما خصوصاً تلك التي تتصل بالآجال والأرزاق فلنجعل من إيماننا بالله وقدره ما يحجزنا عن التعلق بالأوهام والحماقات .
     إن الطائرة تسقط من الجو بما فيها ومن فيها فإذا قدرة الله تكشف عن جثث محترقة وعن أطفال ورجال لم يمسسهم سوء ! فلماذا لا نعترف بالقدر الأعلى فيما يقع ؟. ونرد إليه ما يغلبنا على أمورنا ليكون من ذلك سلوى ورضا؟ .
     يقول "ديل كارنجي": (من الممكن أن تحاول تعديل النتائج التي ترتبت على أمر حدث منذ 180 ثانية أما أن تحاول تغيير الأمر فهذا الذي هو لا يعقل . وليس ثمة إلا طريقة واحدة يمكن بواسطتها أن تصبح الأحداث الماضية إنشائية مجدية تلك هي تحليل الأخطاء التي وقعت في الماضي والاستفادة منها ثم نسيانها نسياناً تاماً ، وأنا أومن بهذا ولكن هل تراني أملك الشجاعة دائماً لأفعل ما أومن به قال : حدثني " سوندرز " أن مستر " براندوين " مدرس الصحة بكلية " جورج واشنجتون " علمه درساً لن ينساه أبداً ثم قص علي قصة هذا الدرس فقال : ( لم أكن بعد قد بلغت العشرين من عمري ولكني كنت شديد القلق حتى في تلك الفترة المبكرة من حياتي فقد اعتدت أن أجتر أخطائي وأهتم لها هماً بالغاً وكنت إذا فزعت من أداء امتحان وقدمت أوراق الإجابة أعود إلى فراشي فأستلقي عليه وأذهب أقرض أظافري وأنا في أشد حالات القلق خشية الرسوب لقد كنت أعيش في الماضي وفيما صنعته فيه وأود لو أني صنعت غير ما صنعت وأفكر فيما قلته منذ زمن مضى وأود لو أنني قلت غير ما قلت .
     ثم إني في ذات صباح ضمني الفصل وزملائي الطلبة وبعد قليل دلف المدرس " مستر براندوين " ومعه زجاجة مملوءة باللبن وضعها أمامه على المكتب وتعلقت أبصارنا بهذه الزجاجة وانطلقت خواطرنا تتساءل ما صلت اللبن بدروس الصحة ؟ وفجأة نهض المدرس ضارباً زجاجة اللبن بظهر يده فإذا هي تقع على الأرض ويراق ما فيها وهنا صاح " مستر براندوين " : لا يبكي أحدكم على اللبن المراق . ثم نادانا الأستاذ واحداً واحداً لنتأمل الحطام المتناثر والسائل المسكوب على الأرض ثم جعل يقول لكل منا : انظر جيداً إنني أريد أن تذكر هذا الدرس مدى حياتك لقد ذهب اللبن واستوعبته البالوعة فمهما تشد شعرك وتسمح للهم والنكد أن يمسكا بخناقك فلن تستعيد منه قطرة واحدة لقد كان يمكن بشيء من الحيطة والحذر أن نتلافى هذه الخسارة ولكن فات الوقت وكل ما نستطيع أن نمحو أثرها وننساها ثم نعود إلى العمل بهمة ونشاط . ذلك حق وإليه يشير الحديث الشريف : ((استعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا وكذا ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان)) ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق